سورة مريم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
عن ابن عباس: فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيب درعها، فوصلت النفخة إلى بطنها فحملت. وقيل: كانت مدّة الحمل ستة أشهر.
وعن عطاء وأبي العالية والضحاك: سبعة أشهر. وقيل: ثمانية، ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى عليه الصلاة والسلام. وقيل: ثلاث ساعات. وقيل: حملته في ساعة، وصوّر في ساعة، ووضعته في ساعة، حين زالت الشمس من يومها.
وعن ابن عباس: كانت مدة الحمل ساعة واحدة، كما حملته نبذته. وقيل: حملته وهي بنت ثلاث عشرة سنة. وقيل: بنت عشر، وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل. وقالوا: ما من مولود إلا يستهلّ غيره {فانتبذت بِهِ} أي اعتزلت وهو في بطنها، كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الجْمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا ***
أي تدوس الجَماجم ونحن على ظهورها، ونحوه قوله تعالى: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] أي تنبت ودهنها فيها: الجار والمجرور في موضع الحال {قَصِيّاً} بعيداً من أهلها وراء الجبل. وقيل: أقصى الدار. وقيل: كانت سميت لابن عم لها اسمه يوسف، فلما قيل: حملت من الزنا، خاف عليها قتل الملك، فهرب بها فلما كان ببعض الطريق حدّثته نفسه بأن يقتلها، فأتاه جبريل فقال له: إنه من روح القدس فلا تقتلها، فتركها.


{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{فَأَجَاءهَا} أجاء: منقول من جاء، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. ألا تراك تقول: جئت المكان وأجاءنيه زيد، كما تقول: بلغته وأبلغنيه. ونظيره {آتي} حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء، ولم تقل: أتيت المكان وآتانيه فلان. قرأ ابن كثير في رواية {المِخَاضُ} بالكسر. يقال: مخضت الحامل مخاضا ومِخاضاً، وهو تمخض الولد في بطنها.
طلبت الجذع لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة، وكان جذع نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمرة ولا خضرة، وكان الوقت شتاء، والتعريف لا يخلو: إمّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق، كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة متعالم عند الناس، فإذا قيل: جذع النخلة فهم منه ذلك دون غيره من جذوع النخل. وإمّا أن يكون تعريف الجنس، أي: جذع هذه الشجرة خاصة، كأن الله تعالى إنما أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو حرسة النفساء الموافقة لها. ولأن النخلة أقل شيء صبراً على البرد، وثمارها إنما هي من جمارها، فلموافقتها لها مع جمع الآيات فيها اختارها لها وألجأها إليها. [{قَالَتْ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا}] قرئ {مِتُّ} بالضم والكسر، يقال: مات يموت ومات يمات. النسيّ: ما من حقه أن يطرح وينسى، كخرقة الطامث ونحوها، كالذبح: اسم ما من شأنه أن يذبح في قوله تعالى: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وعن يونس: العرب إذا ارتحلوا عن الدار قالوا: انظروا أنساءكم، أي: الشيء اليسير نحو العصا والقدح والشظاظ، تمنت لو كانت شيئاً تافها لا يؤبه له، من شأنه وحقه أن ينسى في العادة وقد نسي وطرح فوجد فيه النسيان الذي هو حقه، وذلك لما لحقها من فرط الحياء والتشوّر من الناس على حكم العادة البشرية، لا كراهة لحكم الله، أو لشدّة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة وبضدّ ما قرفت به، من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام: أن تعرف اغتباطك بأمر عظيم وفضل باهر تستحق به المدح وتستوجب التعظيم، ثم تراه عند الناس لجهلهم به عيباً يعاب به ويعنف بسببه، أو لخوفها على الناس أن يعصوا الله بسببها.
وقرأ ابن وَثَّاب والأعمش وحمزة وحفص {نسياً} بالفتح. قال الفراء: هما لغتان كالوتر والوتر، والجسر والجسر. ويجوز أن يكون مسمى بالمصدر. كالحمل.
وقرأ محمد بن كعب القرظي {نسأ} بالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء، ينسؤه أهله لقلته ونزارته.
وقرأ الأعمش {منسيا} بالكسر على الإتباع، كالمغيرة والمنخر.


{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
{مِن تَحْتِهَا} هو جبريل عليه السلام. قيل: كان يقبل الولد كالقابلة. وقيل: هو عيسى، وهي قراءة عاصم وأبي عمرو. وقيل: {تَحْتِهَا} أسفل من مكانها، كقوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} [البقرة: 25] وقيل: كان أسفل منها تحت الأكمة، فصاح بها لا تحزني وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص {مِنْ تحتها} وفي ناداها ضمير الملك أو عيسى.
وعن قتادة: الضمير في تحتها للنخلة.
وقرأ زرّ وعلقمة: فخاطبها من تحتها.
سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن السريّ فقال: «هُوَ الجدولُ» قال لبيد:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ فَصَدَّعَا *** مَسْجُورَةً مُتَجَاوِر قُلاَّمهَا
وقيل: هو من السرو. والمراد: عيسى وعن الحسن: كان والله عبداً سرياً.
فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسري والرطب؟ قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب، ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة، وأن مثلها مما قرفوها به بمعزل، وأن لها أموراً إلهية خارجة عن العادات خارقة لما ألفوا واعتادوا، حتى يتبين لهم أنّ ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9